للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والله بأهلها إلى ندامة طويلة، وعذاب شديد، فلا تكونن -يا ابن آدم- مغتراً، ولا تأمن مالم يأتك الأمان منه؛ فإن الهول الأعظم ومفظعات الأمور أمامك، لم تخلص منها حتي الآن، ولا بد من ذلك المسلك، وحضور تلك الأمور، إما يعافيك من شرها وينجيك من أهوالها، وإما الهلكة وهي منازل شديدة مخوفة محذورة مفزعة للقلوب؛ فلذلك فاعدُد، ومن شرها فاهرب، ولا يلهينك المتاع القليل الفاني، ولا تربص بنفسك فهي سريعة الانتقاص من عمرك، فبادر أجلك ولا تقل غداً غداً؛ فإنك لا تدري متى إلى الله تصير، واعلموا أن الناس أصبحوا جادين في زينة الدنيا، يضربون في كل غمرة (١) وكلٌّ معجب بما هو فيه، راضٍ به، حريص على أن يزداد منه، فما لم يكن من ذلك لله عز وجل وفي طاعة الله فقد خسر أهله، وضاع سعيه، وما كان من ذلك في الله وفي طاعة الله فقد أصاب أهله به وجه أمرهم، ووفقوا فيه بحظهم، عندهم كتاب الله وعهده وذكر ما مضى وذكر ما بقِي والخبر عمن وراءهم كذلك أمر الله اليوم وقبل ذلك أمره فيمن مضى، … وحق على من جاءه البيان من الله بأن هذا أمره وهو واقع أن يصغر في عينه ما هو عند الله صغير، وأن يعظم في نفسه ما هو عند الله عظيم، أوَ ليس ما ذكر الله من الكراهة لأهلها فيما بعد الموت والهوان ما يطيب نفس امرئ عن عيشة دنياه؛ فإنها قد آذنت بزوال، لا يدوم نعيمها، ولا يؤمن فجائعها، يبلى جديدها، ويسقم صحيحها، ويفتقر غنيها، ميالة بأهلها، لعَّابة بهم على كل حال، ففيها عبرة لمن اعتبر، وبيان فعلِي منتظر. يا ابن آدم، أنت اليوم في دار هي لافظتك، وكأن قد بدا لك أمرها، فإلى الصرام (٢) ما يكون سريعًا، ثم يفضي بأهلها إلى أشد الأمور وأعظمها خطراً، فاتق الله -يا ابن آدم- وليكن سعيك في دنياك لآخرتك؛ فإنه ليس لك من دنياك شيء إلا ما صدرت أمامك، فلا تدخرن عن نفسك مالك، ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك، ولكن تزود لبعد الشُّقة، واعدد العدة أيام حياتك، وطول مقامك قبل أن ينزل بك من قضاء الله ما هو نازل، فيحول دون


(١) الغمرة: الضلالة.
(٢) الصرام: الانقطاع.

<<  <   >  >>