للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك (١).

قال ابن القيم: "الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط عن رحالهم إلا في الجنة أو النار، والعاقل يعلم أن السفر مبنِي على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة، إنما ذلك بعد انتهاء السفر، ومن المعلوم أن كل وطأة قدم أو كل آنٍ من آنات السفر غير واقفة، ولا المكلف واقف وقد ثبت أنه مسافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل، وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الاستعداد للسير" (٢).

موعظة جامعة:

وما أحسن موعظة الحسن البصري رحمه الله حيث يقول: " إن الدنيا دار عمل، من صحبها بالنقص لها والزهادة فيها، سعد بها ونفعته صحبتها، ومن صحبها على الرغبة فيها والمحبة لها شقِي بها، وأجحف بحظه من الله عز و جل، ثم أسلمته إلى ما لا صبر له عليه ولا طاقة له به من عذاب الله، فأمرها صغير، ومتاعها قليل، والفناء عليها مكتوب، والله تعالى ولِي ميراثها، وأهلها محولون عنها إلى منازل لا تبلى ولا يغيرها طول الثواء (٣) فاحذروا -ولا قوة إلا بالله- ذلك الموطن، وأكثروا ذكر ذلك، واقطع -يا ابن آدم- من الدنيا أكثرَ همك، أو لتقطعن حبالها بك، فينقطع ذكر ما خلقت له من نفسك، ويزيغ عن الحق قلبك، وتميل إلى الدنيا فترديك، وتلك منازل سوء بيِّنٌ ضرها، منقطع نفعها، مفضية


(١) رواه البخاري (٥/ ٢٣٥٨).
(٢) الفوائد، لابن القيم (ص: ١٩٠).
(٣) الثواء: الإقامة.

<<  <   >  >>