للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإياك أن تسلم للدنيا جلَّ همك، وتعطيها مفتاح قلبك، بل صاحبها "ببدنك وفارقها بقلبك وهمك؛ فإنك موقوف على عملك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، وعند الموت يأتيك الخبر" (١).

قال الحسن: " ابنَ آدم، لا تعلِّق قلبك في الدنيا فتعلقه بشر معلَق، اقطع حبالها، وغلِّق أبوابها، حسبك -يا ابن آدم- منها ما يبلغك المحل"، وكان يقول: إن قومًا أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخشب، فأهينُوها فأهنا ما تكون إذا أهنتموها، هيهات هيهات ذهبت الدنيا وبقيت الأعمال قلائد في الاعناق (٢).

وإياك أن تركب للدنيا مطيةَ الهوى، فتوصلك إلى متاهات الفتنة؛ فإن "الهوى مطية الفتنة، والدنيا دار المحنة، فانزل عن الهوى تسلم، وأعرض عن الدنيا تغنم، ولا يغرنك هواك بطيب الملاهي، ولا تفتنك دنياك بحسن العواري؛ فمدة اللهو تنقطع، وعارية الدهر ترتجع، ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم، وتكتسبه من المآثم" (٣).

ولا تأمل البقاء عليها طويلا، ولا تركن إلى محاسنها كثيرا؛ فإنها لن تدوم، ولن تبقى.

"قال بعض العلماء: إن الدنيا كثيرة التغيير، سريعة التنكر، شديدة المكر، دائمة الغدر، فاقطع أسباب الهوى عن قلبك، واجعل أبعدَ أملِك بقية يومك، وكُن كأنك ترى ثواب أعمالك" (٤).

وإياك أن تغفل عن الدار الآخرة؛ فإنها هي الوطن، وأما الدنيا فإنها دار غربة، ودار ممر لا دار مقر، وأنت فيها غريب أو عابر سبيل، فتحمل في طريق غايتك عناءَ سفرك، وكآبة غربتك.


(١) حلية الأولياء، لأبي نعيم (١/ ٣٠٦).
(٢) عدة الصابرين، لابن القيم (ص: ١٩٣).
(٣) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ٢٤).
(٤) المرجع السابق (ص: ١٣٦).

<<  <   >  >>