للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن الجوزي: "الدنيا فخٌّ، والجاهل بأول نظرة يقع، فأما العاقل المتقِي فهو يصابر المجاعة، ويدور حول الحَب والسلامة بعيدة. فكم من صابر اجتهد سنين، ثم في آخر الأمر وقع. فالحذر الحذر؛ فقد رأينا من كان على سَنن الصواب، ثم زل على شفير القبر" (١).

فـ" ينبغي للعبد المؤمن بربه إذا نظر إلى زهرة الدنيا فدعته إلى نفسها برونقها البهيج أن يقول لها بلسان الحال: إليك عني يا سريعة الزوال، إنما تصلحين للتشويق إلى دار ليس لساكنها عنها انتقال، أنت خزفٌ فانٍ، وتلك جوهر باق، فلتفرِّقْ بين الدارين عقولُ الرجال.

خلِّ عن منزل الفنا والزوالِ … ثم يمِّمْ نحو الجنابِ العالي

منزلِ الكرامة والأنس والبرْ … رِّ ونيلِ المنى ونيل النوال

تلك والله دارُ قوم شَروَها … بنفيسِ النفوس والأموال

حين زُفّت إليهمُ خطوبها … ثم ساقوا لها المهورَ الغوالي (٢).

وخذ من الدنيا ما حلَّ لك بالطرق المشروعة من غير كد في الطلب ولا حرص ولا تهافت على الشبهات والحرام، فقد " جمع النبي في قوله: (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) بين مصالح الدنيا والآخرة، ونعيمُها ولذاتها إنما ينال بتقوى الله. وراحةُ القلب والبدن وترك الاهتمام، والحرص الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء في طلب الدنيا إنما ينال بالإجمال في الطلب. فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة ونعيمها، ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها، فالله المستعان" (٣).


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ١٤١).
(٢) التذكرة في الوعظ (ص: ٢٤).
(٣) الفوائد، لابن القيم (ص: ٥٩).

<<  <   >  >>