للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وانظر إليها نظر الكاره المبغض، ولا تنظر إليها نظر العاشق المحب؛ فإن المحب مفتون بمحبوبه، مستجيب لما يأمر به.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى) (١).

وقال بعض الحكماء: "انظر إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق لها، ولا تتأملها تأمل العاشق الوامق بها" (٢).

وإذا أينعت دنياك فإياك أن تميل إلى الانشغال بقطف ثمارها، والتلهي بمتاعها، والتنافس عليها؛ فإن ذلك قد أهلك من قبلك، واعتبر بمن غرَّتهم من السالفين ماذا أخذوا منها، وما كانت عاقبتهم عليها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم) (٣).

"وقال أبو حازم: إن الدنيا غرَّت أقوامًا فعملوا فيها بغير الحق، فعاجلهم الموت فخلَّفوا مالهم لمن لا يحمدهم، وصاروا لمن لا يعذرهم، وقد خلقنا بعدهم فينبغي أن ننظر للذي كرهناه منهم فنجتنبه، والذي غبطناهم به فنستعمله (٤).

وإن تجمَّلت لك بزخارفها، وأبدت لك مفاتنها فغض بصرك عنها؛ حتى تسلم من فتنتها؛ فإنها شَرك الهلاك، ومصيدة الشقاء، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) (٥).


(١) رواه أحمد (٣٢/ ٤٧٠)، وابن حبان (٢/ ٤٨٦)، وهو صحيح.
(٢) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ٢٤).
(٣) رواه البخاري (٣/ ١١٥٢)، ومسلم (٤/ ٢٢٧٣).
(٤) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ١٥١).
(٥) رواه مسلم (٤/ ٢٠٩٨).

<<  <   >  >>