للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هكذا فكن معها:

فيا أيها العاقل، لا تغتر بدنياك فتنسى آخرتك؛ فالدنيا زهرة فانية عما قريب ستذبل، ولا تنظر إليها بعين الإعجاب والطمع؛ فإنها لا تستحق تلك النظرة على الحقيقة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: ٥]. وقال: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ١٣١].

ولا تنظر إلى أولئك الذين فرحوا بما أُوتوا من أعراض الدنيا ومتاعها الزائل فألهاهم عن الدار الآخرة، قال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد: ٢٦].

فإن هذه الدار دار خيال ولهو ولهب، وليس بعاقل من انصرف إلى ذلك وترك دار الحقيقة والخلود، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: ٣٢].

فخذ من دنياك ما يكفيك ولا يلهيك، وأعرض عنها احتقاراً لشأنها، واستصغاراً لما فيها فذلك هو الزهد، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس) (١).

"كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله؛ فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله؛ لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس؛ لتركك لهم دنياهم، والسلام" (٢).


(١) رواه ابن ماجه (٢/ ١٣٧٣)، وهو حسن.
(٢) شعب الإيمان، للبيهقي (٧/ ٣٨١).

<<  <   >  >>