للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تبالي" (١).

لم تكن الدنيا لدى الموفّقين كبيرة ولا عظيمة؛ حتى انشغلوا بها ونسوا الآخرة، بل كانت لديهم حقيرة صغيرة لا تستحق الانشغال بها.

قال الحسن البصري: " ولقد رأيت أقوامًا كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه، ولقد رأيت أقوامًا يمسي أحدهم وما يجد عنده إلا قوتًا فيقول: لا أجعل هذا كله في بطني، لأجعلن بعضه لله عز وجل، فيتصدق ببعضه، وإن كان هو أحوج ممن يتصدق به عليه! " (٢).

إن نور التوفيق جعل محبِّي الآخرة ينظرون إلى الدنيا بعين بصيرتهم المشرقة فأبصروها فانية، ذات لذات زائلة، فتركوا الركون إليها، والانكباب عليها؛ خشية الخسران في الآخرة.

قال الشاعر:

إنِّي رَأَيْتُ عَوَاقِبَ الدُّنْيَا … فَتَرَكْتُ مَا أَهْوَى لِمَا أَخْشَى

فَكَّرْتُ فِي الدُّنْيَا وَعَالَمِهَا … فَإِذَا جَمِيعُ أُمُورِهَا تَفْنَى

وَبَلَوْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا فَإِذَا … كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنِهِ يَسْعَى

أَسْنَى مَنَازِلِهَا وَأَرْفَعُهَا … فِي الْعِزِّ أَقْرَبُهَا مِنْ الْمَهْوَى

تَعْفُو مَسَاوِيهَا مَحَاسِنَهَا … لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّعْيِ وَالْبُشْرَى

وَلَقَدْ مَرَرْتُ عَلَى الْقُبُورِ فَمَا … مَيَّزْتُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى (٣).


(١) التذكرة في الوعظ، للقرشي (ص: ٥٢).
(٢) حلية الأولياء، لأبي نعيم (٢/ ١٣٤).
(٣) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ٣٧٢).

<<  <   >  >>