للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وابيضاضُ السوادِ من نذر الشرِّ … وهل مثله لحيٍّ نذيرُ" (١).

وقال بعضهم: الشيب نذير المنية، وبريد الآخرة، وإحدى المنيتين، وأول مواعيد الفنا، وناعي الشباب، ورسول البِلى، وقناع الموت، وقذى عين الشباب، والموت ساحل الحياة، والشيب سفينة تقرب من الساحل (٢). وقال آخر: الشيب تبسمُ المنايا (٣).

وقال ابن الجوزي: " سرق لصُّ الشيب رأسَ مال الشباب … كانت أيام الشباب كفصل الربيع، وساعاته كأيام التشريق، والعيش فيه كيوم العيد، فأقبل الشيب يعد بالفناء، ويوعد بصفر الإناء، فأرخى مشدود أطناب العمر، ونقض مشيد سرائر القوى. أُديلَ ضعف الشيب على الشباب فعمل معولَ الوهن وراء الجلَد في الجِلْد، فصار مرْبع الحياة قفراً قد خلت بطاحُه، ومربع اللهو هباء تذروه الرياح، وإن الهالك من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل. أبقيَ بعد الشيب منزل غير البلى؟ بلى أنت تدري أين تنزل.

مرحلة الشيب تحط على شفير القبر، وقد اتخذت من رأي الهوى حصنًا، فما هذا الأمل؟. أتطلب ربيع وأنت في ذي القعدة؟! (٤).

اختلاف النظرة إلى الشيب:

إن ابتسام الشيب على الشعر يحزن أهل الشهوات الذين يرون به منفرّاً للنساء عنهم، وقاطعًا لهم عن استيفاء الرغبات التي كانوا يظفرون به فيها زمن قوة الشباب؛ فلذلك يرونه مصيبة تحبسهم عن تمام اللذات الدنيوية العاجلة، وينذرهم بقرب رحيلهم عنها.


(١) البيان والتبيين، للجاحظ (ص: ٣٧٨).
(٢) التمثيل والمحاضرة، للثعالبي (ص: ٨١).
(٣) التذكرة الحمدونية، لابن حمدون (٢/ ١٥١).
(٤) اللطائف، لابن الجوزي (ص: ٢٥).

<<  <   >  >>