للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ترحَّل من الدُّنيا بزادٍ من التُّقى … فعُمْرُكَ أيامٌ وهُنَّ قَلائِلُ (١).

اقبل النذارة:

فيا من نزلت بصفحة ليله نجومُ المشيب، أما يهديك ضياؤها إلى سلوك سبيل الادكار، والعودة إلى ربك الرحيم الغفار، فتغلق عنك باب الغفلة والسهو، وتسريحِ النفس في مراتع اللهو والزهو، فما الحياة لك بدائمة، ولا عينُ المنية عنك بنائمة.

قال الشافعي:

خبتْ نارُ نفسي باشتعالِ مفارقي … وأظلمَ ليلي إذ أضاء شهابُها

أيا بومةً قد عشّشتْ فوق هامتي … على الرغم مني حين طار غرابُها

رأيتِ خرابَ العمر مني فزرتنِي … ومأواكِ من كل الديار خرابُها

أأنعمُ عيشًا بعد ما حلّ عارضي … طلائعُ شيبٍ ليس يغني خضابُها

وعزةُ عمرِ المرء قبل مشيبه … وقد فنيتْ نفسٌ تولّى شبابها

إذا اصفرّ لونُ المرء وابيضّ شعرُه … تنغّص من أيامه مستطابها

فدعْ عنك سوءاتِ الأمور فإنها … حرامٌ على نفس التقيِّ ارتكابُها (٢).

وقال ابن الجوزي: " من علم قرب الرحيل عن مكة، استكثر من الطواف، خصوصاً إن كان لا يؤمل العَود؛ لكبر سنه وضعف قوته. فكذلك ينبغي لمن قاربه ساحل الأجل بعلو سنه أن يبادر اللحظات، وينتظر الهاجم بما يصلح له، فقد كان في قوس الأجل منزع زمان الشباب، واسترخى الوتر في المشيب عن سِيَة القوس (٣)، فانحدر إلى القلب،


(١) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (٤٢/ ٩).
(٢) ديوان الإمام الشافعي (ص: ٢).
(٣) السية من القوس ما عطف من طرفيها وهما سيتان. المعجم الوسيط (١/ ٤٦٩).

<<  <   >  >>