للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اجعلِ الآخرة همَّك:

فاستعد -أيها المسلم- لهذه الدار، وهيّءْ زاد النجاة الذي ينفعك عند الرحلة إليها، ولْتكن الآخرة هي همّك في هذه الحياة، وذِكرُها لا يغيب عن بالك، والعناية بها ملازمة لك في جميع أعمالك وأحوالك؛ فإن ذلك سبب سعادتك في دنياك وآخرتك. عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كانت الدنيا همَّه فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيَّتَه جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة) (١). قال مالك بن دينار: "بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج همُّ الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة كذلك يخرج هم الدنيا من قلبك" (٢). وقال الفضيل بن عياض: " حزن الدنيا للدنيا يذهب بهمِّ الآخرة، وفرح الدنيا للدنيا يذهب بحلاوة العبادة" (٣). وعن سلام بن مسكين قال: "كان الحسن كثيراً ما يقول: يا معشر الشباب، عليكم بالآخرة فاطلبوها؛ فكثيراً رأينا مَنْ طلب الآخرة فأدركها مع الدنيا، وما رأينا أحداً طلب الدنيا فأدرك الآخرة مع الدنيا" (٤). وقال الكتاني: "كن في الدنيا ببدنك، وفي الآخرة بقلبك" (٥). وقال لقمان لابنه: "يا بني، إن الناس قد تطاول عليهم ما يوعدون، وهم إلى الآخرة سراعاً يذهبون، وإنه قد استدبرت الدنيا لتذهب واستقبلت الآخرة، وإن داراً تسير إليها أقرب إليك من دار تخرج منها" (٦). وقال ابن الجوزي: "همةُ المؤمن متعلقة بالآخرة، فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة، وكلُّ مَنْ شغله شيء فهمّته شغلُه؛ ألا ترى أنه لو دخل أرباب


(١) رواه ابن ماجه (٢/ ١٣٧٥)، والطبراني، المعجم الكبير (٥/ ١٤٣)، وهو صحيح.
(٢) الزهد الكبير، للبيهقي (ص: ١٣٤).
(٣) المرجع السابق (ص: ١٣٥).
(٤) المرجع السابق (ص: ٦٥).
(٥) الزهد الكبير، للبيهقي (ص: ١٤١).
(٦) المرجع السابق (ص: ٢٠١).

<<  <   >  >>