للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

* مع الصبِّ (١) رِيٌّ ولا ماء، وكم من عطشان في اللُّجّة (٢) (٣)!

* سبق العلمُ بنبوة موسى وإيمان آسية، فسيقَ تابوتُه إلى بيتها، فجاء طفل منفرد عن أم إلى امرأة خالية عن ولد. فلله كم في القصة من عِبرة! كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد، ولسان القدر يقول: لا نربيه إلا في حجرك!

* كان ذو البجادين يتيمًا في الصغر، فكفله عمه، فنازعته نفسه إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهمّ بالنهوض، فإذا بقية المرض مانعة، فقعد ينتظر العم، فلما تكاملت صحته، نفذ الصبر فناداه ضمير الوجد:

إلى كمْ حبسُها تشكو المضيقا … أَثِرْها ربما وجدتْ طريقا

فقال: يا عم، طال انتظاري لإسلامك، وما أرى منك نشاطًا؟ فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك. فصاح لسان الشوق: نظرةٌ من محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلي من الدنيا وما فيها.

ولو قيل للمجنون: ليلى ووصلَها … تريدُ أمِ الدنيا وما في طواياها

لقال: غبارٌ من تراب نعالها … ألذُّ إلى نفسي وأشفى لبلواها

فلما تجرد للسير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم جرّده عمه من الثياب، فناولته الأم بجاداً، فقطعه لسفر الوصل نصفين، اتزر بأحدهما، وارتدى الآخر، فلما نادى صائح الجهاد قنع أن يكون في ساقة الأحباب، والمحب لا يرى طول الطريق؛ لأن المقصود يعينه

ألا أبلغ اللهُ الحِمى من يريده … وبلَّغ أكنافَ الحمى من يريدها


(١) الصَّب: المحب المشتاق. المعجم الوسيط (١/ ٥٠٥).
(٢) اللجة: معظم الماء. المعجم الوسيط (٢/ ٨١٦).
(٣) هذه العبارة مثالها الموضح لها ما قبلها؛ فقسٌّ آمن بالله ولم يجد رسولاً يدعوه، ومثله مثل المشتاق الذي يجد اللذة بمرور طيف محبوبه على خياله، وعبد الله بن أبي كفر بنفاقه مع أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومثله مثل العطشان الذي لا يرتوي والماء بين يديه!

<<  <   >  >>