للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حتى جملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه) (١).

وصاحب هذه المعصية الصغيرة في نظره والتي أصر عليها قد تكون أشد خطراً من كبيرة استعظمها فاعلها حتى دعته إلى التوبة، قال ابن القيم: " وهاهنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يُلحِقُها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يُلحِقُها بالكبائر بل يجعلها في أعلى رُتَبِها" (٢).

المسارعة المسارعة إلى تكفير الذنوب قبل فجأة الموت:

إن الموت ضيف ينزل بالإنسان من غير استئذان، فحريٌّ بالعاقل أن يصفِّي حسابه ويراجع سجل أعماله قبل أن يأتيه هذا الضيف الذي ينقله إلى الحساب بين يدي الفتاح العليم ليحاسبه على كل كبيرة وصغيرة.

ومن الاستعداد: القيام بفعل الأوامر واجتناب النواهي على ما يحب الله ويرضاه، فإن هفا المرء فلا يسوِّف التوبة، ولا يؤخر محو الخطيئة، بل ينطلق مسرعًا إلى باب التوبة والقيام بعمل مكفِّر أو مكفرات لذنبه، وهذا يجعله في سعادة وطمأنينة إن أتاه الموت على حين غِرّة.

فيا شقاء من لم ينظر إلى هذا الأمر بعين الاعتبار؛ فصار يرتكب الخطايا، ويسرف على نفسه بالذنوب وحفظةُ الأعمال تسجل عليه تفريطه وإسرافه وهو غير مبالٍ بتكفير ذنوبه قبل لقاء خالقه، فيرحل إلى ربه منحني الظهر بالأوزار، مسود الصحيفة بالسيئات، ثقيل الحمولة بالخطيئات.

بل المصيبة التي قد تضاعِف مصيبته السالفة أن يعمل أعمالاً سيئة تبقى بعده،


(١) رواه أحمد (٣٧/ ٤٦٧)، وهو صحيح.
(٢) مدارج السالكين، لابن القيم (١/ ٣٢٨).

<<  <   >  >>