للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

السابقة، وابتعدت عن ذنوب قد تصير إلى القبر لاحقة، وإن استطعت أن تجعل لك أعمالاً صالحة من بعدك يصل ثوابها إلى قبرك فذاك خير إلى خير، وسعادة وأي سعادة.

قال حبيب أبو محمد: "إن من سعادة المرء إذا مات ماتت معه ذنوبُه" (١).

وقال أبو طالب المكي: "فطوبى لمن إذا مات ماتت ذنوبه معه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه بعده مائة سنة ومائتي سنة يعذَّب بها في قبره، ويُسأل عنها إلى آخر انقراضها، قال اللّه عزّ وجلّ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: ١٢]. (ما قدموا): ما عملوا، (وآثارهم): ما سنّوه بعدهم فعُمل به، وقال في وصفه: {يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: ١٣]، قيل: بما قدم من عمل، وما أخّر من سنّة عمل بها بعده" (٢).

أسباب مغفرة الذنوب:

إن الله تعالى عفو رحيم غفور حليم؛ فقد فتح لعباده أبواب الأمل والتفاؤل، وأغلق عنهم منافذ اليأس والقنوط، وأرشدهم إلى الطريق القويم حينما يزيغون عنه في ظلمات الخطايا والانحراف، وأعطاهم قوارب النجاة عندما تتقاذفهم أمواجُ الشبهات والشهوات، وأعادهم إلى دار الأمان والعز، بعد أن تاهوا عنها في طرقات المعاصي والضياع والذل.

ولولا رحمته تعالى وحلمه ومغفرته لهلكَ عبادُه أجمعون؛ فهو الرحيم الرحمن الذي وسعت رحمته كلَّ شيء، ومن رحمته أن يقبل رجوعهم إليه إذا عصوه، وهو الحليم الذي يحلم على المذنبين عن قدرة وكرم، لا عن ضعف وعجز، ومن حلمه: أنه لم يعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلهم؛ لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا عن غيهم، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: ٤٥].


(١) حلية الأولياء، لأبي نعيم (٨/ ٢٩٦).
(٢) قوت القلوب، لأبي طالب المكيفي معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (٢/ ٤٤٢).

<<  <   >  >>