للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يوشك إن طال بكم زمان أن يتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه" (١).

فليس كل من حمل العلم نائلاً ما جاء في مدحه، والثناء على أهله، بل هناك بعضٌ مِنْ حملته لا ينتفعون به؛ ولهذا استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع … ) (٢).

وأخبر عليه الصلاة والسلام عن حصول سؤال العبد يوم القيامة عن علمه ماذا عمل به، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة عند ربه حتى يسأل عن خمس: عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم" (٣).

وذلك أن هذا العلم قد يتعلمه من سيعمل به، وقد يتعلمه من لا يعمل به، ولا يستفيد من نوره وهُداه، قال ابن القيم: " العلماء ثلاثة: عالم استنار بنوره واستنار به الناس، فهذا من خلفاء الرسل، وورثة الأنبياء، وعالم استنار بنوره ولم يستنر به غيره، فهذا إن لم يفرط كان نفعه قاصراً على نفسه، فبينه وبين الأول ما بينهما، وعالم لم يستنر بنوره ولا استنار به غيره، فهذا علمه وبال عليه، وبسطته للناس فتنة لهم، وبسطة الأول رحمة لهم" (٤).

إن المتعلمين لهذا العلم كثير، ولكن المنتفعين به عملاً وسلوكًا قليل، فقد يوجد المرائي بهذا العلم، المتباهي بما نال من معلوماته، وقد يتعلمه من يطلب من ورائه عرضًا من الدنيا؛ ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذين المزلقين الخطرين في العلم،


(١) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (٢/ ٦).
(٢) رواه مسلم (٤/ ٢٠٨٨).
(٣) رواه الترمذي (٤/ ٦١٢)، والطبراني، المعجم الكبير (١٠/ ٨)، وهو: حسن.
(٤) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٣٠٢).

<<  <   >  >>