للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أهتزّ عند تمنّي وصلِها طربًا … وربَّ أمنيّةٍ أحلى من الظّفرِ

ولقد تأمّلت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الّذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدّنيا، وأنفقت زمن الصّبوة والشّباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني ممّا نالوه إلّا ما لو حصل لي ندمت عليه، ثمّ تأمّلت حالي فإذا عيشي في الدّنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين النّاس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم. فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك، فقلت له: أيّها الجاهل، تقطيع الأيدي لا وقع له عند رؤية يوسف، وما طالت طريق، أدّت إلى صديق:

جزى اللّهُ المسيرَ إليه خيراً … وإنْ تركَ المطايا كالمزادِ

ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشّدائد ما هو عندي أحلى من العسل؛ لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصّبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلّا عند الماء، فكلّما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همّتي لا ترى إلّا لذّة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أنّي عُرفت بكثرة سماعي لحديث الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأحواله وآدابه وأحوال أصحابه وتابعيهم" (١).

العمل بالعلم:

غير أن هذا العلم لا يصل بصاحبه إلى هذا الفضل، ولا يبلغ به إلى هذه الرتبة، ولا يُنيله هذا الشرف إلا بالعمل به، والانتفاع بما يرشد إليه. قال أبو الدرداء: (لا تكونُ عالمًا حتى تكون بالعلم عاملاً) (٢).

وعن أبيّ بن كعب قال: "تعلموا العلم واعملوا به، ولا تتعلموه لتتجملوا به؛ فإنه


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ١٧٧).
(٢) أخلاق العلماء للآجري (ص: ٦٥).

<<  <   >  >>