للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سنة أو شهر أو يوم؛ حرصًا منهم على الدّنيا، وخوفًا من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخيرة لهم في فواته! ولو حصل ذلك لهم فلا يبقى إلّا أيّام قلائل، فكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلّق به خطر الشّقاوة والسّعادة أبد الآباد؟ ما هذه المساهلة إلّا عن الغفلة والخذلان وقلّة التّوفيق- نعوذ باللّه من ذلك" (١).

"وقال إبراهيم التيمي: مثّلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس، أيَّ شيء تريدين؟ فقالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قلت: فأنت في الأمنية فاعملي" (٢).

أهمية محاسبة النفس:

إن لمحاسبة النفس أهمية كبيرة، ومكانة عظيمة في صلاح الحال والمآل؛ فهي باب لزكاة النفس وطهارتها، ودليل على خوف صاحبها؛ ولذلك تواصى الصالحون على الحث على المحاسبة، والتحذير من ترك النفس عاطلة عن المراقبة.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}. " (٣).

وكتب رضي اللّه عنه إلى بعض عمّاله، فكان في آخر كتابه: "أن حاسب نفسك في الرّخاء، قبل حساب الشّدّة؛ فإنّه من حاسب نفسه في الرّخاء، قبل حساب الشّدّة، عاد مرجعه إلى الرّضى والغبطة. ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى النّدامة، والحسرة. فتذكّر ما توعظ به، لكيما تنتهي عمّا ينهى عنه، وتكون عند التّذكرة والعظة من


(١) إحياء علوم الدين، للغزالي (٤/ ٤٠٥).
(٢) المصدر السابق.
(٣) مدارج السالكين، لابن القيم (١/ ١٧٠).

<<  <   >  >>