للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلّ نفس من الأنفاس جوهرة لها قيمة" (١).

وقال أيضًا: "عرف أرباب البصائر من جملة العباد أنّ اللّه تعالى لهم بالمرصاد، وأنّهم سيناقشون في الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذّرّ من الخطرات واللّحظات، وتحقّقوا أنّه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلّا لزوم المحاسبة، وصدق المراقبة، ومطالبة النّفس في الأنفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللّحظات، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في القيامة حسابه، وحضر عند السّؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيّئاته، فلمّا انكشف لهم ذلك علموا أنّه لا ينجيهم منه إلّا طاعة اللّه وقد أمرهم بالصّبر والمرابطة فقال عزّ من قائل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا} [آل عمران: ٢٠٠] فرابطوا أنفسهم أوّلا بالمشارطة، ثمّ بالمراقبة، ثمّ بالمحاسبة، ثمّ بالمعاقبة، ثمّ بالمجاهدة. ثمّ بالمعاتبة. فكانت لهم في المرابطة ستّة مقامات" (٢).

وقال ابن الجوزي: " يا معشر المذنبين، حاسبوا أنفسكم قبل يوم الحساب، وارحموا أنفسكم قبل نزول العذاب، وبادروا بالتوبة قبل غلق الباب، واجتهدوا في بقية أعماركم قبل وضع الكتاب، وسارعوا إلى المغفرة من ربكم قبل الخجل بين يدي رب الأرباب" (٣).

وقال ابن القيّم: "قد دلّ على وجوب محاسبة النّفس قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: ١٨] (٤) يقول تعالى: لينظر أحدكم ما قدّم ليوم القيامة من الأعمال: أمن الصّالحات الّتي تنجيه، أم من السّيّئات الّتي توبقه"؟ (٥).


(١) إحياء علوم الدين، للغزالي (٤/ ٣٩٤).
(٢) المصدر السابق (٤/ ٣٩٣).
(٣) بستان الواعظين ورياض السامعين (ص: ١١١).
(٤) قال الغزالي عن هذه الآية: " وهذه إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من الأعمال". إحياء علوم الدين، للغزالي (٤/ ٤٠٤).
(٥) إغاثة اللهفان، لابن القيم (١/ ٨٤).

<<  <   >  >>