للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَا يخاف متعلم أو عالم لا يعمل بعلمه فيما وجب وفيما حرُم ما يكون عليه حاله بين يدي ربه يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟! ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه) (١).

إن العمل بالعلم أمرٌ حثّ عليه الشارع الحكيم، ودعا إليه أهل العلم العاملون؛ لأنه ثمرة العلم، وبرهان صدق صاحبه. قال ابن عبد البر: "قد ذم الله في كتابه قومًا كانوا يأمرون الناس بأعمال البر ولا يعملون بها، ذمًّا وبخهم الله به توبيخًا يُتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة، فقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٤٤]. قال أبو العتاهية:

وصفتَ التُقى حتى كأنك ذو تقى … وريحُ الخطايا من ثيابك تَسطعُ! " (٢)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مررت ليلة أُسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قال: قلت من هؤلاء؟ قالوا: خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون) (٣).

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "تعلموا، فإذا علمتم فاعملوا" (٤). وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: "إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبيك ربّ، فيقول: ما عملت فيما علمت؟ " (٥).


(١) رواه البخاري (٣/ ١١٩١)، ومسلم (٤/ ٢٢٩٠).
(٢) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (١/ ١٩٤).
(٣) رواه أحمد (١٩/ ٢٤٤)، وابن حبان (١/ ٢٤٩)، وهو صحيح.
(٤) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (٢/ ٩).
(٥) المصدر السابق (٢/ ٣).

<<  <   >  >>