للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الخطيب البغدادي: " ثم إني موصيك يا طالب العلم، بإخلاص النية في طلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه؛ فإن العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يعد عالمًا من لم يكن بعلمه عاملاً، وقيل: العلم والد والعمل مولود، والعلم مع العمل، والرواية مع الدراية، فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشًا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما، وإن قل نصيبك منهما، وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته" (١).

وقال ابن الجوزي في "السر المصون: " من علم أن الدنيا دار سباق وتحصيل للفضائل، وأنه كلما علت مرتبته في علم وعمل، زادت المرتبة في دار الجزاء، انْتَهَبَ الزمانَ ولم يُضَيِّع لحظة، ولم يترك فضيلة تمكنه إلا حَصَّلَهَا. مَنْ وُفِّقَ لهذا، فليبكر زمانه بالعلم، وليصابر كلَّ محنة وفقر، إلى أن يحصل له ما يريد؛ وليكن مخلصًا في طلب العلم عاملاً به حافظًا له، فأما أن يفوته الإخلاص، فذلك تضييع زمان وخسران الجزاء، وإما أن يفوته العمل به فذاك يقوي الحجة عليه والعقاب له" (٢).

المنتفع بالعلم:

وقال ابن القيم: "لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين" (٣).

إن المنتفع بالعلم هو الذي صنع منه العلم مؤمنًا يظهر على سلوكه تعظيم الله وإجلاله، وخشيته وتقواه، ومراقبته في السر والعلن، وإيثار مرضاته على رضا كل أحد، وتقديم نصوص الوحي على كل قول ورأي من البشر.

والمنتفع بالعلم هو الذي يرُى مسارعًا إلى الطاعات، متجنباً المعاصي والسيئات،


(١) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (ص: ١٤).
(٢) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (٢/ ١٩٣).
(٣) الفوائد، لابن القيم (ص: ٣١).

<<  <   >  >>