للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

داعيًا إلى الخير وهو مسابق إليه، ومحذراً من الشر وهو غير مقيم عليه. قال تعالى عن شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: ٨٨].

قال الحسن البصري: " لقد أدركت أقوامًا كانوا أأمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن منكر وأتركهم له، ولقد بقينا في أقوام أأمر الناس بالمعروف وأبعدهم منه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه، فكيف الحياة مع هؤلاء؟! " (١).

والمنتفع بالعلم هو الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، الذي لا تأسره أعراض الدنيا ومتاعها الزائل، ولا تستهويه رئاساتها وجاهها، وقد ضرب الله لنا في القرآن مثلينِ لمن حمل العلم النافع ولكنه لم يعمل به، حرصًا على الدنيا وشهواتها.

المثال الأول: قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: ١٧٥] {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: ١٧٦] (٢).

المثال الثاني: قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: ٥].

والمنتفع بالعلم هو الذي يحوِّل معلومات علمه إلى واقع وسلوك يعيشه مع الناس، فمن رآه وعاشره قال: هذا شرع الله؛ لأنه لا يصدر عنه إلا ما يوافق شريعة الله تعالى.

غير المنتفع بالعلم:

فأما رجل قرأ العلم وتعلمه وعلّمه، وأحاط بمسائله ومعلوماته، ولكنه غير عامل به


(١) حلية الأولياء، لأبي نعيم (٢/ ١٥٥).
(٢) لابن القيم كلام عظيم عن هذه الآيات تجده في كتابه: الفوائد (ص: ١٠١)، وما بعدها.

<<  <   >  >>