للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تلافاه الله بها فغفر له سوء عمله طول عمره، هذا فعل من لا تضره الذنوب، ولا تنفعه العبادة، وإنما تنفع وتضر المكتسب لها الدائم عليها إلى أن يموت" (١).

الصالحون والخاتمة:

إن المتقين من الخاتمة في خوف شديد مع حسن عملهم، وإن العصاة المصرِّين في أمن فسيح مع سوء عملهم! قال ابن القيم: ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين، وكأن المسيئين الظالمين قد أخذوا توقيعاً بالأيمان {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} [القلم: ٣٩، ٤٠].

يا آمنًا معْ قبيحِ الفعل يصنعُهُ … أَقدْ أتاك أمانٌ أنت تملكهُ؟!

جمعتَ شيئينِ: أمنًا واتباعَ هوى … وواحدٌ منهما للمرء يهلكه

والمحسنون على درب المخاوف قدْ … ساروا وذلك دربٌ لستَ تسلكه! (٢).

فلا يأمنن أحد انقلاب الحال من طاعة إلى معصية، أو من معصية إلى طاعة، فكلا الحالين متوقعة، "يروى أن رجلاً أسيراً مسلماً، وكان حافظاً للقرآن، خُص بخدمة راهبين، فحفظا منه آيات كثيرة؛ لكثرة تلاوته، فأسلم الراهبان وتنصر المسلم، وقيل له: ارجع إلى دينك؛ فلا حاجة لنا فيمن لم يحفظ دينه، فقال: لا أرجع إليه أبداً، فقُتل" (٣).

ومهما كان عند الإنسان من عمل صالح، وقربات كثيرة فمن الذي يضمن له الموت على ذلك؛ ولهذا

"قال العلماء: وإذا كانت الهداية إلى الله مصروفة، والاستقامة على مشيئته موقوفة،


(١) شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال (١٠/ ٣٠٦).
(٢) الجواب الكافي، لابن القيم (ص: ٦٢).
(٣) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي (١/ ٤٦).

<<  <   >  >>