للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والعاقبة مغيّبة، والإرادة غير مغالبة، فلا تعجب بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وجميع قُربك؛ فإن ذلك وإن كان من كسبك فإنه من خلق ربك وفضله، فمهما افتخرت بذلك كنت كالمفتخر بمتاع غيره، وربما سلب عنك فعاد قلبك من الخير أخلى من جوف البعير، فكم من روضة أمست وزهرُها يانع عميم، فأصبحت وزهرها يابس هشيم، إذ هبّت عليها الريح العقيم، كذلك العبد يمسي وقلبُه بطاعة الله مشرق سليم، فيصبح وهو بمعصية مظلم سقيم! " (١).

إن القلوب سريعة التقلب كثيرة التحول لا تقر على قرار إلا أن يشاء الله، وهي بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، يعني: " يصرفها أسرع من مر الريح على اختلاف في القبول والرد، والإرادة والكراهية وغير ذلك من الأوصاف" (٢).

"ومن هنا كان الصحابة ومَنْ بعدهم منَ السَّلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزَعُهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاقَ الأصغرَ، ويخاف أنْ يغلب ذلك عليه عندَ الخاتمة، فيخرجه إلى النفاق الأكبر، فدسائس السوء الخفية تُوجِبُ سُوءَ الخاتمة" (٣).

ولهذا كان رسول الله يكثر الدعاء بتثبيت القلب، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك). قال: فقلنا: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: فقال: (نعم؛ إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها كما يشاء" (٤).

وعن أم سلمة رضي الله عنها: قالت كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي


(١) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي (١/ ٤٥).
(٢) المرجع السابق.
(٣) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (٦/ ٣٢).
(٤) رواه أحمد (١٩/ ١٦٠)، والترمذي (٤/ ٤٤٨)، وهو صحيح.

<<  <   >  >>