للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، قال: (يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ) (١).

قال ابن حجر: (وفي دعائه صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) إشارة إلى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء، ورفع توهم من يتوهم أنهم يُستثنون من ذلك، وخص نفسه بالذكر إعلاماً بأن نفسه الزكية إذا كانت مفتقرة إلى أن تلجأ إلى الله سبحانه فافتقار غيرها ممن هو دونه أحق بذلك" (٢).

وقال أيضًا في شرح حديث: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين؛ فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم): "ووجه هذه الخشية: أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة، ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك. والتفكر أيضًا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتباراً بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم" (٣).

لقد كان السلف الصالحون يعظِّمون أمر الخاتمة، ويخشون تقلب الأحوال في نهاية الحياة والانتقال إلى الدار الآخرة؛ لهذا كانوا ينظرون إلى الخاتمة بعين الاهتمام والاعتناء؛ خشية أن يتخبطهم الشيطان في أعقاب حياتهم، وقبيل غروب شمس أيامهم فلذلك ظلوا


(١) رواه أحمد (٤٤/ ٢٧٨)، والترمذي (٥/ ٥٣٨)، وهو صحيح.
(٢) فتح الباري لابن حجر (٢٠/ ٤٦٤).
(٣) المرجع السابق (٢/ ١٥٧).

<<  <   >  >>