للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عاملين خائفين، مدركين أن النفس أمارة بالسوء تتربص بالإنسان دوائر الشر، وفتن الشبهات والشهوات كثيرة تقف على كل طريق، والناجون من ذلك قليل والهالكون كثير.

فالإنسان" لا يدري أيسلم له الإيمان عند الموت أم لا؛ فإن ختم له بالكفر حبط عمله السابق؛ لأنه موقوف على سلامة الآخر، ولو سئل الصائم ضحوة النهار عن صحة صومه فقال: أنا صائم قطعاً، فلو أفطر في أثناء نهاره بعد ذلك لتبين كذبه؛ إذ كانت الصحة موقوفة على التمام إلى غروب الشمس من آخر النهار (١). وكما أن النهار ميقات تمام الصوم فالعمر ميقات تمام صحة الإيمان، ووصفه بالصحة قبل آخره بناء على الاستصحاب وهو مشكوك فيه والعاقبة مخوفة؛ ولهذا كان بكاء أكثر الخائفين لأجل أنها ثمرة القضية السابقة والمشيئة الأزلية التي لا تظهر إلا بظهور المقضي به، ولا مطلع عليه لأحد من البشر، فخوف الخاتمة كخوف السابقة، وربما يظهر في الحال ما سبقت الكلمة بنقيضه فمن الذي يدري أنه من الذين سبقت لهم من الله الحسنى؟ وقيل في معنى قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: ١٩]. أي: بالسابقة يعني: أظهرتها … ، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يحلف بالله ما من أحد يأمن أن يُسلب إيمانُه إلا سُلِبه، وقيل: من الذنوب ذنوب عقوبتها سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك" (٢).

قال وهب بن منبه في قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: ٤٧]. قال: "إنما يوزن من الأعمال خواتيمها، وإذا أراد الله بعبد خيراً ختم له بخير عمله، وإذا أراد به شراً ختم له بشر عمله" (٣).

وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبًا فلا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه، تقولوا: اللهم اخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية؛ فإنا


(١) "وما فسد قبل الغروب لا يبرئ الذمة فيخرج عن كونه صومًا، فكذلك الإيمان". إحياء علوم الدين، للغزالي (١/ ١٢٥).
(٢) إحياء علوم الدين، للغزالي (١/ ١٢٤).
(٣) حلية الأولياء، لأبي نعيم (٤/ ٣٣).

<<  <   >  >>