للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حتى بلغ الآية فلم يستطع أن يجاوزها مرتين أو ثلاثاً، ثم قرأ سورة أخرى غيرها! " (١).

وقال تعالى: {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: ٤٠]. " والعذاب عذاب الآخرة، وكل ما هو آت فهو قريب، وقد قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: ٤٦] " (٢).

وكذلك أمر سبحانه وتعالى باتقاء النار قبل القدوم على دار القرار، فقال تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٤]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦].

ولما وقع هذا الإنذار والتخويف من النار موقعه العظيم من قلوب العقلاء أقبلوا على ربهم مسارعين إلى طاعته، مبتعدين عن معصيته، وصحبهم الخوف من عذابه حتى صاروا زاهدين صالحين.

كان الحسن يقول: "إن المؤمنين قوم ذلت والله منهم الأسماع والأبصار والأبدان، حتى حسبهم الجاهل مرضى وهم والله أصحاب القلوب ألا تراه يقول: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: ٣٤]. والله لقد كابدوا في الدنيا حزنًا شديداً، وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم، والله ما أحزنهم ما أحزن الناس، ولكن أبكاهم وأحزنهم الخوفُ من النار" (٣).

قال العباس بن الوليد عن أبيه: "كان الأوزاعي إذا ذكر النار لم يقطع ذكرها، ولم يقدر أحد أن يسأله عن شيء حتى يسكت، فأقول بيني وبين نفسي: ترى بقي أحد في المجلس لم يتقطع حسرات"؟! (٤).


(١) التخويف من النار، لابن رجب (ص: ١٠٦).
(٢) تفسير القرطبي (١٩/ ١٨٨).
(٣) التخويف من النار، لابن رجب (ص: ٣٤).
(٤) المرجع السابق.

<<  <   >  >>