للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبحانه (يفتح عليه يوم القيامة من محامده بما لا يحسنه الآن) (١).

ولهذه المعرفة بابان واسعان: باب التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله ورسوله، والباب الثاني: التفكر في آياته المشهودة وتأمل حكمته فيها، وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه، وجِماع ذلك: الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها وتفرده بذلك وتعلقها بالخلق والأمر، فيكون فقيهًا في أوامره ونواهيه، فقيهًا في قضائه وقدره، فقيهًا في أسمائه وصفاته، فقيهًا في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني القدري، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" (٢).

قال ابن القيم: " من الناس من يعرف الله بالجود والإفضال والإحسان، ومنهم من يعرفه بالعفو والحلم والتجاوز، ومنهم من يعرفه بالبطش والانتقام، ومنهم من يعرفه بالعلم والحكمة، ومنهم من يعرفه بالعزة والكبرياء، ومنهم من يعرفه بالرحمة والبر واللطف، ومنهم من يعرفه بالقهر والملك، ومنهم من يعرفه بإجابة دعوته وإغاثة لهفته وقضاء حاجته. وأعلم هؤلاء معرفةً من عرفه من كلامه؛ فإنه يعرف ربًا قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجلال، منزّه عن المثال، بريء من النقائص والعيوب، له كل اسم حسن، وكل وصف كمال، فعّال لما يريد، فوق كل شيء ومع كل شيء، وقادر على كل شيء، ومقيم لكل شيء، آمر ناهٍ متكلم بكلماته الدينية والكونية، أكبر من كل شيء، وأجمل من كل شيء، أرحم الراحمين، وأقدر القادرين، وأحكم الحاكمين. فالقرآن أُنزل لتعريف عباده به، وبصراطه الموصل إليه، وبحال السالكين بعد الوصول إليه" (٣).


(١) رواه البخاري (٤/ ١٧٤٥)، ومسلم (١/ ١٨٤).
(٢) الفوائد، لابن القيم (ص: ١٧٠).
(٣) المرجع السابق (ص: ١٨٠).

<<  <   >  >>