للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢].

إن هذا الكتاب الكريم هو خير الحديث، وخير الكلام الذي لو {اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨]. وهو القول الذي أعيى الفصحاء، وأعجز البلغاء، وأخرس الخطباء، ولم يكن بنظم شاعر، ولا سجع كاهن، ولا بقول إنس ولا جن، بل هو كلام المعبود الحق، الخالق للخلق.

فما أعظم أثره على سامعيه وقارئيه ومتدبريه، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: ٢٣].

عن قتادة في قول الله عز وجل: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: ٥٨]، قال: البلد الطيب: المؤمن سمع كتاب الله، فوعاه وأخذ به وانتفع به؛ كمثل هذه الأرض أصابها الغيث، فأنبتت وأمرعت (١)، {وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} أي: إلا عسراً، فهذا مثل الكافر قد سمع القرآن، فلم يعقله، ولم يأخذ به، ولم ينتفع به، كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث، فلم تنبت شيئًا، ولم تمرع شيئاً" (٢).

إن هذا الكتاب العظيم هو دستور الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة، ودليل النجاة من الشقاء فيهما، وطريق الاهتداء إلى كل خير عاجل وآجل، ولن يكون كذلك إلا لمن أقبل عليه فعمل به، وأنزله من نفسه منزلة التعظيم والإجلال، والانقياد لما جاء به.

غايات إنزال القرآن العظيم:

إن هذا الكتاب المبارك لم ينزل من عند الله تعالى إلا لغايات حميدة، وهي كفيلة


(١) (أمرع) المكان والوادي مرع والقوم أصابوا الكلأ فأخصبوا. المعجم الوسيط (٢/ ٨٦٤).
(٢) أخلاق حملة القرآن للآجري (ص: ٨٥).

<<  <   >  >>