للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عليه وسلم: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) (١).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن (٢): اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلك عند آخر آية تقرأها) (٣).

فما أحسن قراءة القرآن، وما ألذ حروفه في اللسان، وألطف وقعها على القلوب والجوارح؛ فالعين ترى في تلك الصفحات المشرقة نوراً يهديها إلى الطريق المستقيم، والأذن تسمع أحلى كلام يصل الأسماع، والقلب يتنعم بتلك المعاني المؤثرة التي تزرع فيه حب هذا الكتاب وحب منزله العظيم، فيعظم رجاؤه لما عند الله من الخير، ويشتد خوفه أن يصل إليه غضبه أو تناله عقوبته، والعقل يتدبر ذلك الكلام البديع الذي لا يدرك من أسراره إلا الشيء اليسير، وكلما زادت قراءته وتأمله انكشفت له حقائق ودقائق لم تكن مرت عليه من قبل.

وللصالحين المخبتين إقبال عظيم على تلاوة كتاب الله، وكثرة قراءته، وملازمة النظر إليه، فما أحرانا بالاقتداء بهم، وما أحوجنا إلى ذلك الذي كانوا عليه من العلاقة بكتاب الله تبارك وتعالى!

ساق الذهبي رحمه الله عند ترجمته لبعض الأعلام حالهم في كثرة قراءة القرآن وختمه، ففي ترجمة الإمام المقرئ أبي بكر بن عياش قال: "ولما حضرت أبا بكر الوفاة، بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟! انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة! " (٤). وفي ترجمة عبد الله بن إدريس قال: " لما نزل بابن إدريس الموت،


(١) رواه الترمذي (٥/ ١٧٥)، وهو صحيح.
(٢) صاحب القرآن هو: من يلازمه بالتلاوة والعمل لا من يقرؤه ولا يعمل به. عون المعبود، للعظيم آبادي (٤/ ٢٣٧).
(٣) رواه أحمد (١١/ ٤٠٤)، وأبو داود (١/ ٥٤٧)، وابن حبان (٣/ ٤٣)، وهو صحيح.
(٤) سير أعلام النبلاء، للذهبي (٨/ ٥٠٤).

<<  <   >  >>