للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والقسوة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى ٥٢]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: ٢٩] {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: ٣٠].

قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه ويؤمنون به، ويعملون بما فيه من إقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله تعالى في الأوقات المشروعة ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} أي: يرجون ثواباً عند الله لا بد من حصوله، فإنه يقول لصاحبه: إن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة (١)؛ ولهذا قال تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أي: ليوفيهم ثواب ما عملوه ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر لهم {إِنَّهُ غَفُورٌ} أي: لذنوبهم {شَكُورٌ} للقليل من أعمالهم، قال قتادة: كان مُطرِّف رحمه الله إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القُرّاء" (٢). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان (٣) أو كأنهما فِرقانِ من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة) (٤) (٥). وقال رسول الله صلى الله


(١) يشير إلى حديث: (يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك و أظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر .... )، رواه أحمد (٣٨/ ٤٢)، والطبراني، المعجم الأوسط (٦/ ٥١)، وصححه الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة (١/ ٨) وبعض التاسع (٦/ ٣٢٨).
(٢) تفسير ابن كثير (٣/ ٦٦٨).
(٣) الغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرهما، قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين. شرح النووي على مسلم (٦/ ٩٠).
(٤) البَطَلَةُ: السَّحَرة. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (١/ ٣٥٤).
(٥) رواه مسلم (١/ ٥٥٣).

<<  <   >  >>