للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعمر الفاروق رضي الله عنه في ليلة من ليالي عدله وإحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه يخرج ليتفقد رعيته، إذ مر بدار رجل من المسلمين فوافقه قائماً يصلي فوقف يستمع قراءته فقرأ الطور حتى بلغ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور ٧ - ٨]، فقال عمر: قسم ورب الكعبة، فنزل عن حماره واستند إلى حائط فمكث ملياً ثم رجع إلى بيته فمكث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه (١). وما مرضه إلا بسبب تأثره بما سمع.

وهذا الصحابي الكريم أبو طلحة رضي الله عنه يقرأ سورة التوبة، فلما بلغ قوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة ٤١]. قال: أرى ربنا يستنفرنا شيوخاً وشباباً، جهزوني يا بَني. فركب البحر غازياً في سبيل الله فمات فلم يجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد تسعة أيام فنزلوا فدفنوه، ولم يكن قد تغير جسده خلال تلك الأيام التسعة فوق السفينة رضي الله عنه ورحمه (٢).

وجبير بن مطعم رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: ٣٥] {أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور: ٣٦] {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: ٣٧]. قال: كاد قلبي أن يطير (٣). فكان ذلك من أسباب إسلامه. نعمْ لقد تأثر حتى طار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والفضيل بن عياض رحمه الله كان قبل توبته قاطع طريق، وعشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليًا يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٢٩٠).
(٢) تفسير ابن كثير/ (٢/ ٤٣٨).
(٣) صحيح البخاري (٤/ ١٨٣٩).

<<  <   >  >>