للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الدّليل. وكلّما خرج عليه كمين من كمائن العدوّ أو قاطع من قطّاع الطّريق نادته: الحذرَ الحذر، فاعتصم باللّه، واستعن به، وقل: حسبي اللّه ونعم الوكيل. وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد" (١).

ومن غايات إنزال هذا الكتاب الكريم:

الرجوع إليه عند التنازع، والتحاكم إليه عند الاختلاف، ورد الأمور التي يطلب فيها الفصل إليه لا إلى غيره ما دام ذلك فيه، فهو المرجع المعصوم الذي يقضي بالحق، ويحكم بالقسط؛ لأنه كلام الخالق سبحانه العليم بما يصلح خلقه، فليس من الإيمان أن يُقرأ هذا الكتاب ويعظم ثم يبحث عن بديل عنه من آثار عقول البشر القاصرة، أو المناوئة لما فيه، والمعادية لقائله جل وعلا، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩]. وقال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: ١٠]. يقول الشنقيطي: "مسألة: اعلم أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة، صفات من يستحق أن يكون الحكم له، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة، التي سنوضحها الآن إن شاء الله، ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع، سبحان الله وتعالى عن ذلك، فإن كانت تنطبق عليهم -ولن تكون- فليتبع تشريعهم. وإن ظهر يقينًا أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك، فليقف بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية. سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته، أو حكمه أو ملكه. فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: {وَما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، ثم قال مبيناً صفات من له الحكم: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَاطِرُ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (١/ ٤٥١ - ٤٥٢).

<<  <   >  >>