للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة!

تالله لقد سبق القوم السُّعاة وهم على ظهور الفرش نائمون، وقد تقدموا الرَّكبَ بمراحل وهم في سيرهم واقفون.

مَنْ لي بمثلِ سَيْرك المدلَّلِ … تمشي رُويداً وتجيْ في الأولِ

أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم: حي على الفلاح، وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم وكان بذلهم بالرضى والسماح، وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح، تالله لقد حمدوا عند الوصول سُراهم، وشكروا مولاهم على ما أعطاهم، وإنما يحمد القومُ السُّرى عند الصباح" (١).

وكيف لا نحب الله سبحانه وهو ربنا وخالقنا، ورازقنا، والمنعم علينا بكل نعمة نحن فيها؟!

ولا ريب أنه "لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها؛ فهو إلهها ومعبودها، ووليها ومولاها، وربها ومدبِّرها ورازقها، ومميتها ومحييها، فمحبته نعيم النفوس وحياة الأرواح، وسرور النفوس وقوت القلوب، ونور العقول وقرة العيون وعمارة الباطن، فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزاكية أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا أسرَّ ولا أنعمَ من محبته، والأنس به والشوق إلى لقائه، والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتم من كل نعيم، واللذة التي تناله أعلى من كل لذة … فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف، وفيه أرغب وله أحب وإليه أقرب؛ وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه ولا يعرف إلا بالذوق والوجد" (٢).


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٦).
(٢) إغاثة اللهفان، لابن القيم (٢/ ١٩٧).

<<  <   >  >>