للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

" لو عرفنا حبيَبنا ما سلونا، ولكن قدره ما قَدَرنا، لو سعدنا بوصله ما شقينا، لو غنينا بفضله ما افتقرنا، لو روينا من حبِّه ما ظمئنا، لو سلكنا في طريقه ما عثرنا، هو نِعم الحبيب لكننا بئس المحبون" (١).

إن المحبة علامة فارقة بين الموحدين والمشركين؛ فالموحدون صرفوها لله تعالى وحده، دون شريك؛ ولذلك كان" أصل التوحيد وروحه: إخلاص المحبة لله وحده، وهي أصل التأله والتعبد له، بل هي حقيقة العبادة، ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه، وتسبق محبته جميع المحاب وتغلبها، ويكون لها الحكم عليها بحيث تكون سائر محاب العبد تبعًا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه. ومن تفريعها وتكميلها: الحب في الله، فيحب العبد ما يحبه الله من الأعمال والأشخاص، ويبغض ما يبغضه الله من الأشخاص والأعمال، ويوالي أولياءه ويعادي أعداءه، وبذلك يكمل إيمان العبد وتوحيده" (٢).

وأما المشركون فأخلصوها لمعبوداتهم من دون الله، أو أشركوا بينهم وبينه فيها؛ "فمعلوم أن أصل الإشراك العملي بالله الإشراك في المحبة؛ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ … } [البقرة: ١٦٥]. فأخبر أن من الناس من يشرك بالله فيتخذ أنداداً يحبونهم كما يحبون الله، وأخبر أن الذين آمنوا أشد حبًا لله من هؤلاء، والمؤمنون أشد حبًا لله من هؤلاء لأندادهم ولله؛ فإن هؤلاء أشركوا بالله في المحبة فجعلوا المحبة مشتركة بينه وبين الأنداد، والمؤمنون أخلصوا دينهم لله الذي أصله المحبة لله فلم يجعلوا لله عدلاً في المحبة، بل كان الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما" (٣).


(١) التذكرة في الوعظ، لابن الجوزي (ص: ٢٣).
(٢) القول السديد في مقاصد التوحيد، للسعدي (ص: ١٢٧).
(٣) قاعدة في المحبة (ص: ٦٩).

<<  <   >  >>