للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لو كان حبُّك صادقاً لأطعمتَه … إن المحبَّ لمن يحب مطيعُ (١).

قال ابن القيم: " محبة الله هي أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه؛ فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها، وفرقٌ بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفُه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبُّه لسيده، وفي هذا قال عمر: نِعمَ العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه. يعني: أنه لو لم يخف من الله لكان في قلبه من محبة الله وإجلاله ما يمنعه من معصيته، فالمحب الصادق عليه رقيب من محبوبه يرعى قلبه وجوارحه، وعلامة صدق المحبة شهود هذا الرقيب ودوامه. وههنا لطيفة يجب التنبه لها وهي أن المحبة المجردة لا توجب هذا الأثر ما لم تقترن بإجلال المحبوب وتعظيمه، فإذا قارنها بالإجلال والتعظيم أوجبت هذا الحياء والطاعة، وإلا فالمحبة الخالية عنهما إنما توجب نوعَ أُنس وانبساط وتذكر واشتياق؛ ولهذا يتخلف عنها أثرها وموجبها، ويفتش العبد قلبه فيرى نوع محبة لله، ولكن لا تحمله على ترك معاصيه، وسبب ذلك تجردها عن الإجلال والتعظيم. فما عمر القلبَ شيءٌ كالمحبة المقترنة بإجلال الله وتعظيمه، وتلك من أفضل مواهب الله لعبده أو أفضلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (٢).

ولكن ينبغي أن يُعلم أن المعاصي التي لا تصل إلى حد الكفر لا تزيل أصل محبة الله بالكلية وإنما تنقصها بقدر تلك الخطايا. فـ" الذنوب تنقص من محبة الله تعالى بقدر ذلك، لكن لا تزيل المحبة لله ورسوله إذا كانت ثابتة في القلب، ولم تكن الذنوب عن نفاق؛ كما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب في الذي كان يشرب الخمر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم عليه الحد، فلما كثر ذلك منه لعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:


(١) الكامل في اللغة والأدب، للمبرد (٢/ ٤).
(٢) طريق الهجرتين، لابن القيم (ص: ٤٠٩).

<<  <   >  >>