للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلامة الرابعة: أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم، وهذا علامة صحة المحبة، فكل محب يأخذه اللوم عن محبوبه فليس بمحب على الحقيقة (١).

وما أجمل وصف ابن القيم عن براهين المحبة لله تعالى يوم قال: " لما كثر المدعون للمحبة طُولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى؛ فلو يُعطى الناس بدعواهم لادعى الخليُّ حرقة الشجي (٢) فتنوع المدعون في الشهود فقيل: لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة بتزكية: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}، فتأخر أكثر المحبين، وقام المجاهدون. فقيل لهم: إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم فهلموا إلى بيعة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١]. فلما عرفوا عظمة المشتري وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع عرفوا قدر السلعة، وأن لها شأنًا، فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي من غير ثبوت خيار، وقالوا: والله لا نقيلك ولا نستقيلك. فلما تم العقد وسلموا المبيع قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعافها معها: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩] {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: ١٧٠] " (٣).

الطريق إلى محبة الله تعالى:

إن محبة الله تعالى غاية عليّة، وهدف سامٍ لا يُوصل إليه بالأماني والدعاوى، وإنما يُسلك إليه طريقٌ معمور بالعمل الصالح الباطن والظاهر، وقد لخص ابن القيم طرق نيل


(١) المرجع السابق (٢/ ٢١٨) بتصرف.
(٢) الخلي: الفارغ البال من الهم. والشجي: الحزين.
(٣) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٨).

<<  <   >  >>