للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَن هذا شأنه فإن القلوب لا يكون شيء أحب إليها منه ما دامت فِطرها وعقولها سليمة، وإذا كانت أحب الأشياء إليها فلا محالة أن محبته توجب عبوديته وطاعته، وتتبع مرضاته واستفراغ الجهد في التعبد له والإنابة إليه، وهذا الباعث أكمل بواعث العبودية وأقواها حتى لو فرض تجرده عن الأمر والنهي والثواب والعقاب استفرغ الوسع واستخلص القلب للمعبود الحق، ومن هذا قول بعض السلف: إنه ليستخرج حبه من قلبي ما لا يستخرجه قوله" (١).

قال ابن القيم: " وكلما ازداد له حبًا ازداد له عبودية وذلاً وخضوعًا، ورقًا له وحرية عن رق غيره، فالقلب لا يفلح ولا يصلح، ولا يتنعم ولا يبتهج، ولا يلتذ ولا يطمئن ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه، ولو حصل له جميع ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن إليها، ولم يسكن إليها، بل لا تزيده إلا فاقة وقلقًا حتى يظفر بما خُلق له وهيء له: من كون الله وحده نهاية مراده، وغاية مطالبه؛ فإن فيه فقراً ذاتيًا إلى ربه وإلهه من حيث هو معبوده ومحبوبه، وإلهه ومطلوبه، كما أن فيه فقراً ذاتيًا إليه من حيث هو ربه وخالقه ورازقه ومدبره، وكلما تمكنت محبة الله من القلب وقويت فيه أخرجت منه تألهه لما سواه وعبوديته له:

فأصبحَ حُرَّاً عزةً وصيانةً … على وجهه أنوارُه وضياؤه" (٢).


(١) مجموع الفتاوى (١٥/ ٢١).
(٢) إغاثة اللهفان، لابن القيم (٢/ ١٩٨).

<<  <   >  >>