للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخبرهم بقوله في عيسى بن مريم في ضوء هذه الآية الكريمة، وتركهم ذلك اليوم؛ ليفكروا في أمرهم، فأبوا أن يقروا بما قال في عيسى. فلما أصبحوا وقد أبوا عن قبول ما عرض عليهم من قوله في عيسى، وأبوا عن الإسلام دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المباهلة، وأقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له، وفاطمة تمشي عند ظهره، فلما رأوا منه الجد والتهيؤ خلوا وتشاوروا، فقال كل من العاقب والسيد للآخر: لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك، ثم اجتمع رأيهم على تحكيم رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أمرهم، فجاؤوا وقالوا: إنا نعطيك ما سألتنا. فقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم الجزية، وصالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر، ومع كل حلة أوقية، وأعطاهم ذمة الله وذمة رسوله، وترك لهم الحرية الكاملة في دينهم، وكتب لهم بذلك كتابا، وطلبوا منه أن يبعث عليهم رجلا أمينا، فبعث عليهم أمين هذه الأمة أبا عبيدة بن الجراح؛ ليقبض مال الصلح.

ثم طفق الإسلام يفشو فيهم، فقد ذكروا أن السيد والعاقب أسلما بعد ما رجعا إلى نجران، وأن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث إليهم عليا؛ ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم، ومعلوم أن الصدقة إنما تؤخذ من المسلمين «١» .

(١٣) وفد بني حنيفة- كانت وفادتهم سنة ٩ هـ. وكانوا سبعة عشر رجلا فيهم مسيلمة الكذاب «٢» - وهو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث من بني حنيفة- نزل هذا الوفد في بيت رجل من الأنصار، ثم جاؤوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فأسلموا، واختلفت الروايات في مسيلمة الكذاب، ويظهر بعد التأمل في جميعها أن مسيلمة صدر منه الاستنكاف والأنفة والاستكبار والطموح إلى الإمارة، وأنه لم يحضر مع سائر الوفد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأن النبي صلّى الله عليه وسلم أراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل أولا، فلما رأى أن ذلك لا يجدي فيه نفعا تفرس فيه الشر.


(١) فتح الباري ٨/ ٩٤، ٩٥، زاد المعاد ٣/ ٣٨، ٣٩، ٤٠، ٤١، وقد اضطربت الروايات في بيان كيفية وفد نجران، حتى جنح بعض المحققين إلى أن وفادة أهل نجران كانت مرتين، وقد ذكرنا- ملخصا- ما ترجح عندنا في هذا الوفد.
(٢) فتح الباري ٨/ ٨٧.

<<  <   >  >>