للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد أري قبل ذلك في المنام أنه أتي بخزائن الأرض، فوقع في يديه سواران من ذهب، فكبرا عليه وأهماه، فأوحى إليه أن انفخهما، فنفخهما، فذهبا، فأولهما كذابين يخرجان من بعده، فلما صدر من مسيلمة ما صدر من الاستنكاف- وقد كان يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته- جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفي يده قطعة من جريد، ومعه خطيبه ثابت بن قيس بن شماس، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فكلمه فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك، فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، والله إني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني. ثم انصرف «١» .

وأخيرا وقع ما تفرس فيه النبي صلّى الله عليه وسلم، فإن مسيلمة لما رجع إلى اليمامة بقي يفكر في أمره، حتى ادعى أنه أشرك في الأمر مع النبي صلّى الله عليه وسلم، فادعى النبوة، وجعل يسجع السجعات، وأحل لقومه الخمر والزنا، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه نبي، وافتتن به قومه فتبعوه، وأصفقوا معه، حتى تفاقم أمره، فكان يقال له رحمان اليمامة لعظم قدره فيهم. وكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كتابا قال فيه: إني أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأمر، ولقريش نصف الأمر، فرد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكتاب قال فيه: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «٢» .

وعن ابن مسعود قال: جاء ابن النواحة، وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال لهما: أتشهدان أني رسول الله؟ فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسوله. لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما «٣» .

كان ادعاء مسيلمة النبوة سنة عشر، وقتل في حرب اليمامة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ربيع الأول سنة ١٢ هـ، قتله وحشي قاتل حمزة. وأما المتنبىء الثاني، وهو الأسود


(١) انظر صحيح البخاري باب وفد بني حنيفة، وباب قصة الأسود العنسي ٢/ ٦٢٧، ٦٢٨ وفيتح الباري ٨/ ٨٧ إلى ٩٣.
(٢) زاد المعاد ٣/ ٣١، ٣٢.
(٣) رواه الإمام أحمد، مشكاة المصابيح ٢/ ٣٤٧.

<<  <   >  >>