للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقواعدها الكلية. وبهذا يكون العلم في المفهوم الإسلامي أوسع وأشمل من المفهوم الشائع لدى فلاسفة العلم. إذ يشمل عالم الغيب بمصادره الموحى بها التي تنظم العوالم في سلك واحد وتصل أولها بآخره، وعالم الشهادة الذي يدركه الإنسان بحواسه وعقله, مع الإيمان بأن أسرار عالم الشهادة من خلق الله. وهذا يجعل العلم في المنظور الإسلامي دنيويا بالبحث في الكائنات والاستفادة من طاقاتها، وإلهيا لصلة هذه الكائنات بالله الخالق المدبر الواحد جل وعلا. واستقرار هذا المعنى في وجدان الباحث المسلم، هو الذي يوجه الحضارة الإنسانية توجيها إيمانيا مهتديا رشيدا, يحقق للإنسان الرفاه والتقدم في إطار عقيدة التوحيد.

٢- استيعاب العلوم الحديثة:

إن الدعوة إلى "التوجيه الإسلامي للعلوم" أو "إسلامية المعرفة" لا ترمي الميراث العلمي للحضارات السابقة وراءها ظهريا لتبدأ بمعارف جديدة، ولكنها امتداد لتلك الحضارات مع انتقاء واختيار، ولا يتأتى الانتقاء والاختيار إلا لمن أحاط بها إحاطة وافية.

فعلينا أن ندرس العلوم الحديثة دراسة مستفيضة، ونستوعبها استيعابًا كاملا، ونحللها تحليلا دقيقا، وندرس نشأتها ونموها وتطورها التاريخي، فإن النتائج العلمية الخالصة في الحضارات السابقة والمعاصرة هي أساس أي بناء حضاري جديد "والتوجيه الإسلامي للعلوم" يعتمد على مسلماتها العلمية ومناهجها الرصينة, ويساعد على الإبداع الذي يزيح عن الأعين غشاوة الانبهار، وعماية التقليد, ويعين على أن تكون العلوم والمعارف المتوارثة في خدمة الفكر الإسلامي.

والحضارة الإسلامية التي ننشدها ليست بالحضارة الرافضة ولا بالحضارة المقلدة، ولكنها الحضارة التي تستوعب التراث الحضاري السابق، وتنتقي وتختار وتبتكر وتبدع، وتتخلص من شوائب التغريب, وتتحرر من ذل العبودية, وتواصل مسيرة البناء الحضاري الأمثل.

٣- التمكن من الأصول الإسلامية:

والمنهج الإسلامي الذي نريده يوجب على الباحث أن يتمكن من منابع الثقافة الإسلامية ومصادرها الأصيلة في الكتاب والسنة، والتراث العلمي الذي تركه لنا العباقرة من العلماء المسلمين، فإن هذا هو لذي يعطينا المعايير الأساسية للنقد والتمحيص، ويضع في يدنا النبراس الذي نهتدي به إلى المنهج الإسلامي القويم، والرؤية المستقبلية "المستقبلة" لمسارنا الحضاري المرتقب.

<<  <   >  >>