للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يعني هذا أن يدرس علماؤنا في مجال العلوم الكونية والعلوم الإنسانية مصادرنا الشرعية الأصيلة دراسة نصية متخصصة، فإن هذا شأن المتخصصين في العلوم الشرعية، إنما نعني بذلك أن يكون هؤلاء العلماء على إدراك كامل لأسس الإسلام العامة ومبادئه الكلية الاعتقادية والفكرية حتى يكون لديهم المعايير الصحيحة للعلوم والمعارف في مفهوم الإسلام، وتتكون لديهم ملكة النقد النزيه البصير لاستخلاص المفيد من التراث العلمي -في الحضارات كلها بعامة وفي حضارتنا بخاصة- في كل مجالات العلوم, واختيار ما يتفق مع روح الإسلام وأطر مناهجه، وذلك حتى ينطلق الإبداع الإسلامي على هدى وبصيرة يعالج مشكلات العصر وتحدياته، ويبني للإنسانية كيانا حضاريا معاصرًا على منهج علمي تحليلي متكامل, يأخذ من القديم أرسخه، ومن الحديث أروعه، ويقدم ثمارًا جديدة للمعرفة تنعم بها البشرية في ظل مبادئ الإسلام وقيمه وأهدافه وغاياته.

٤- العمل الدائب على مواصلة البحث العلمي:

إن العلم بحر لا ساحل له ونهر جار لا ينتهي مجراه، فالحقيقة العلمية التي يصل إليها الباحث بعد دراسة ظاهرة معينة دراسة تحليلة دقيقة لاستنباط القوانين العامة التي تفسر هذه الظواهر، لا تمثل إلا جزءًا يسيرًا من الحقائق العلمية الكبرى، وليست -في مفهوم الإسلام- غاية المطاف في البحث العلمي بل ينبغي -طبقًا لهذا المفهوم- متابعة البحث والتعمق فيه في هذه الجزئية, وفيما يتصل بها من جزئيات الكون التي لا تحصى، مما له علاقة بموضوع البحث لاكتشاف حقائق علمية جديدة وتصحيح المسار العلمي. وليس هناك في مفهوم الإسلام المعرفي من يدعي أنه وصل إلى نهاية المعرفة العلمية وبلغ ذروتها؛ لأن أسرار الكون لا تنتهي، والحقائق العلمية الكبرى عن الوجود، يكتشف العلم كل جديد فيها بالتعمق في البحث واتساع دائرته. وما يصل إليه العلماء في أبحاثهم من قوانين المعرفة يمثل جزءًا يسيرًا من تلك الحقائق العلمية الكبرى. وهذا الأساس من أسس التوجيه الإسلامي للعلوم يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:

{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥] .

وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤] .

وقوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦] .

<<  <   >  >>