ويشترط الإسلام لحماية اللقيط أن يكون من يرعى اللقيط مسلمًا، بالغا، عاقلًا، رشيدًا، حرا، أمينا، قويا، قادرًا، عدلًا، مقيما في المدينة أو القرية التي التقط منها؛ لأن هذا أرجى لكشف نسبه "١٢، ١٥".
ومن رحمة الله على اللقيط أن جعل الإنفاق عليه فرض كفاية، فإذا وجد متبرع بالإنفاق عليه سواء أكان ملتقطه أو غيره، فهذا فضل وإحسان يثاب عليه دون أن يستحق الرجوع بما أنفق، أما إذا أنفق على اللقيط بنية الرجوع عليه, وكانت النفقة بالعدل والقسط والمعروف وبإذن من الحاكم. فللمنفق حينئذ حق الرجوع على اللقيط إذا أيسر "١٢، ١١٦-١١٧" وإذا لم يتيسر من ينفق على اللقيط ينفق عليه من بيت المال.
وما تكررت صورة للتكافل الاجتماعي في مجتمع إنساني كما حدثت بين الأنصار والمهاجرين. إذ كان الأنصاري يستضيف أخاه من المهاجرين وليس في بيته من الزاد إلا قوت صبيانه، فيؤثره على نفسه وعياله قائلًا لزوجته: نومي صبيانك وأطفئي السراج، وقدمي ما عندك للضيف، ونجلس معه إلى المائدة، نوهمه أننا نأكل معه ولا نأكل. ويجلسون إلى المائدة ويأكل الضيف وحده ويبيت الزوجان طاويين "٩، ٦٦".
هذا هو المجتمع المسلم الذي أسس على العقيدة الغراء والشريعة السمحة.
فلولا وجود هذا المجتمع المحمدي لظن الناس أن المجتمع المسلم مجتمع معنوي لا يمكن تحقيقه في الواقع. ومجتمع هذا شأنه لا بد أن يصل إلى درجة الكمال أبعد من مألوف البشر. ولا غرو في ذلك، فهو مجتمع تكون وفق المنهج الإلهي.
وعلى وجه العموم، فقد فتح الإسلام أبوابًا كثيرة للتفاعل الاجتماعي. فإضافة إلى الزكاة على اختلاف أنواعها والصدقة على اتساع مداها مثل: الهبة والعطية والفيء، رغب في الإنفاق في سبيل الله في مثل قوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: ٢٦١] .
بهذه الآفاق الرحيبة من التكافل الاجتماعي. لا يتوقع أن يكون في المجتمع المسلم جائع أو محروم أو ذو حاجة ما دام متمسكًا بمنهج الله. بل يحدثنا التاريخ أنه جاء زمن لم يوجد في هذا المجتمع من يستحق الزكاة، واستقرت الجنوب في المضاجع وأقفرت الجفون من المدامع وعم الأمن والأمان.