للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبودية، كذلك يتجرد كل حي وكل شيء من خصائص الألوهية ... فهناك إذن وجدان متميزان: وجود الله ووجود ما عداه من عبيد الله, والعلاقة بين الوجودين هي علاقة الخالق بالمخلوق والإله بالعبيد.... "١٩، ١٨٣".

والحقيقة الثانية التي تتصل بالربوبية في الإسلام شمول الرسالة للناس جميعًا.

ومحمد -صلى الله عليه وسلم- نبي الإسلام لم يرسل لقوم دون قوم، بل أرسل للناس كافة دون تمييز لأحد بسبب جنس أو لون أو مركز اجتماعي أو غير ذلك من عوامل التمايز بين الناس.

فالرسالة عالمية موجهة للعالمين أجمعين، وليست خاصة لقوم دون آخرين، وهذا من بين ما يميزها عن رسالات سائر الأنبياء. فكل نبي أرسل إلى قومه إلا محمدًا فقد أرسل إلى كافة البشر.

قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] .

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} [الأنبياء: ١٠٧] .

وتتضح خاصة العالمية، وخواص أخرى تتفرد به رسالة محمد، في قوله: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث لقومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة".

ومن جوانب شمول رسالة الإسلام، أنها تشمل الإنسان الفرد كله: في خلقه وإخراجه إلى الوجود، وفي عقيدته وعبادته ومعاملاته، وفي سره وعلنه، وفي نفسه وأسرته ومجتمعه، وفي نومه ويقظته، في حياته وموته. باختصار في جميع مناشط الإنسان حيثما تكون ووقتما تكون. فالله محيط بها، يهدي من يشاء، ويحاسب كلا على عمله، ويعفو عمن يريد:

قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ١٦٢] .

وهكذا تتجمع الكينونة الإنسانية بكل مشتملاتها في وحدة الانتماء والتوجه إلى الله، وبذلك تكون في أقوى حالاتها، والكينونة الإنسانية حيت تتجمع على هذا النحو تصبح في خير حالاتها؛ لأنها تكون حينئذ في حالة "الوحدة" التي هي طابع الحقيقة في كل مجالاتها، فالوحدة هي حقيقة الخالق -سبحانه- والوحدة هي

<<  <   >  >>