وبعدما كانوا يرون أن العرب حجزهم التاريخ عن حضارته، أصبحوا يرون من خلال ما استجد أمامهم من وثائق تاريخية وصلوا إليها عن طريق الحفائر والآثار أن المنطقة تعرضت للتيارات المختلفة: من غزو يوناني، إلى روماني، إلى فارسي، إلى بيزنطي، وبالتالي "أصبحت قادرة على العطاء، وأصبح الإسلام -في نظرهم- هو ثمرة هذا العطاء"، وتلك قصة سنعرض لها فيما بعد.
وأصبح الإسلام يتكون -في نظره- من عدة تراثات:
- التراث الهلنيسني: أي التراث الشرقي الغربي الذي ألفت بينه مدرسة الإسكندرية حاضرة البحر المتوسط.
- التراث الديني: العبري: اليهودي والمسيحي.
نبدأ بالتراث الهليني وموقف الشرق منه.
مراكز الثقافة الهللينسية:
لقد عرضنا للأحداث السياسية التي تعرض لها المنطقة العربية والدويلات التي قامت بها على أزمان متعاقبة من التاريخ وكيف كانت تحتويها إحدى الدولتين العالميتين حينذاك؛ إما الفرس أو الروم.
وكان الهدف الذي كانت ترمي إليه الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية هو العمل على الحيلولة دون قيام أي نظام سياسي قوي في الشرق يخشى أن يكون خطرا على إحدى الدولتين، وكلما زادت القلاقل والمتاعب في الشرق كان هذا أفضل لصالحها، وكلما تضاعف عدد الدول المستقلة كان هذا أجدى وأنفع لرومة، وكلما زادت الابتكارات وتعقدت الأمور في الشئون الداخلية لكل دولة من دول الشرق تضاعف أمل كل من الإمبراطوريتين في أن تصبح سيدة الموقف والقوة المتحكمة في مصير الشرق بأسره١.
وإن أهم ما يقال عن هذه الدويلات من حيث مظهرها السياسي: أنها كانت دويلات تزدهر بازدهار مرفئها التجاري، وتندثر باندثاره، وكانت ترى تبعيتها لإحدى
١ تاريخ الدولة الرومانية الاجتماعي والاقتصادي "١: ٢٤" تأليف م رستوفتزف ترجمة: زكي علي، محمد سليم سالم. مكتبة: النهضة المصرية.