للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدولتين ولاء سياسيًّا واجبًا، وكان هذا الولاء يتغير من حين لآخر، وعامل التغير الأساسي في ذلك: هو الظروف الدولية للدولتين الكبيرتين، وأما هذه الدويلات فعليها أن تشكل ظروفها تبعا لهذا التغير دون إعلان رغبتها في شكل التبعية.

وترتب على ذلك -من وجهة نظرنا- أن أصبحت ميول هذه الدويلات العربية مرتبطة يميول الإمبراطور الشرقي، أو الروماني، وبدلا من أن يكون الولاء للوطن أصبح الولاء للإمبراطور، وفي هذا ما جعل الأسر الحاكمة لهذه الدويلات تسعى -نفاقًا سياسيا منها- إلى التشبث بمظاهر حضارية ذات غشاء رقيق، لم يلبث أن تكشف عن بداوة وسعي إلى حياة الترف بشتى أشكاله وألوانه وصنوفه.

وفي هذا ما صرفها عن دراسة مكوناتها الحضارية، وعن إبراز عوامل شخصيتها الإنسانية، وعن الدعوة إلى توظيف لغتها، ورفع أدبها، ومناقشة قضايا وطنها والبحث عن حرياتها الإنسانية، وحريتها في العلاقات السياسية.

لذلك كنا نراها دويلات متعاقبة في سلسلة التاريخ الإنساني، تظهر "دولة البتراء" ثم تغيب مع غياب الأسرة التي حكمت، فإذا ما أخطأت سبيل ترضية الإمبراطور، كان عليه أن يغطي عليها، دون أن يغيب نجم الإمبراطور السياسي، ولأول مرة رأينا دويلات تنتحر انتحارا سياسيا نتيجة القلق السياسي الذي انتابها.

ثم تظهر دولة "تدمر"؛ لتعيد التاريخ نفسه والأسلوب نفسه ويقضَى عليها بالوسيلة السابقة نفسها.

إلى أن جاء الإسلام فاحتوى الدولتين العالميتين: سياسيا، وفكريا، ودينيا، وشفى ما بهما من علل القلق السياسي، وكان الإسلام بما أحدثه من تغيرات، على المستوى العالمي قد أظهر بمبادئه الرفيعة حقيقة الإنسان عندما ضل عن فهمها من خلال ما حوله من أفكار دينية ماجت بها منطقته، فنلاحظ أنه كان في المنطقة تغييرات سياسية، ولكن غير محددة من الوجهة السياسية. فتارة إلى الشرق وتارة أخرى إلى الغرب، فإذا نادت دولة الشرق الكبرى فارس بثقلها على هذه الدويلات تغير

<<  <   >  >>