للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجرى علاقاتها إلى الرومان وهكذا، فهناك حقيقة تغييرات سياسية طرأت على المنطقة غير ثابتة الهدف السياسي، والوجهة الحضارية، ويضاعف ذلك عدم وعي الأسرات التي حكمت فيها بهدفيها السياسي، والحضاري، وذلك مما عجل بانتحارها السياسي.

وحال العرب اليوم مثله بالأمس، دويلات ظهرت في المنطقة العربية وازدهرت لعامل اقتصادي لا دخل للعبقرية العربية فيه، وسيطرت عليه، إحدى الدولتين العالميتين، فظهرت المنطقة بمظهر حضاري غربي، ورجع العربي من غير أن يدري إلى بداوته، فكره العمل، وبات على ذلك منعم البال بثرائه المادي، فشلَّ بذلك من عبقريته، ومن تفهمه لمستوى حضارته، وكذلك أسرات حاكمة يرى فيها أنها مسئولة عن توجيهه لما تحب وترضى، فمفهوم التعاون العربي نراه لا يخرج عن معناه القبلي: وهو الأسرة لا الوطن وهو الأحق بالرعاية والتقديس.

وفي ذلك ما يشير إلى مستقبلها إن ظلت على هذا الحال كلقمة طيبة المذاق يعفها الذوق عندما يتغير مذاقها أو يتغير مذاقه على حد سواء، لذلك كان على العربي أن يبحث عن شخصيته وأصالته، وأن يرصد أموال البترول لصالح رعاية السلوك الحضاري النابع حقيقة من الإسلام، وعليه يتحدد مظهرنا الحضاري اللائق بعبقريتنا ومنهجنا الإسلامي.

وإن وضعنا -عربا ومسلمين- في حضارتنا الحديثة لمؤسف؛ إذ ما زلنا بعيدين عن المشاركة في بناء الحضارة، وإن ما يبدو علينا من مظاهر هو مظهر استهلاكي لا بنائي، وفي ذلك تدهور وتدلٍّ، والعربي -تاريخيا- محسود حينما حباه الله برسالة الإسلام -وحْيًا مقدسًا- لا مظهر لعبقرية العربية في تأليفه، وهو العامل الجوهري للحضارة الإنسانية، وحينما منحته أرضه -وستمنحه- بترولها وهو عامل جوهري في قوة الحضارة المادية -لم يكن فيه مظهر للعبقرية العربية إنما هو منحة إلهية أيضا.

وفي كلتا الحالتين: استحق العربي دوره التاريخي والحضاري لكن هل قام بعبء هذا الدور، إنه ما زال يتسول التكنولوجيا من الغرب!!

<<  <   >  >>