للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولنرجع إلى حديثنا عن المدارس الهلينستية التي انتشرت في المنطقة فنقول:

ما عرضناه كان مقصورًا على الجانب السياسي فقط، ترى هل يكون ثمة تغيير من الناحية الثقافية؟ أو بمعنى آخر: هل اطردت الحياة الثقافية غير متأثرة بالتغيير السياسي؟

ولكي نجيب عن هذا السؤال: نقدم بين يديه شيئا عن المراكز الثقافة الهلينية في المنطقة العربية، ولون الثقافة التي غزت هذه المنطقة، ونلاحظ من مقتضى الأحداث السياسية أن الشرق أصبح -والمنطقة العربية فيه- خاضعًا إلى حد كبير للنفوذ الثقافي الإغريقيين، وكما نشأت عواصم سياسية نشأت أيضا بجانبها عواصم ثقافية.

يقول م. رستوفتزف:

ويمكن أن نصف المظهر الذي كان عليه العالم القديم قبل نشوب الحروب الأهلية في رومة وإيطالية على الوجه الآتي: ففي أثناء المدة التي يطلق عليها اسم العصر الهلينستي أخذ مركز الحضارة في التحول تدريجيًّا من الغرب إلى الشرق، فحلت الإسكندرية في وادي النيل وأنطاكية على نهر العاصي وفرغانة على نهر كيكوس Caicus محل أثينا في الصدارة والأسبقية في المدنية"١، وكان من أولى العواصم الثقافية مدرسة الشرق الكبرى.

مدرسة الإسكندرية -حاضرة البحر- نظام فلسفي جديد:

وكما هو واضح من اسمها، أنها تحمل اسم ذلك الفتى الإغريقي بانيها ومؤسسها، الذي خضعت لنفوذ الدنيا، وهو لما يزل في عقده الثالث ذلك هو: الإسكندر الأكبر، الذي أسسها سنة ٣٢٣ق. م وقد ظل اسمه عليها إلى الآن.

وقد أنشأ خلفاؤه من بعده -فيها: أكاديمية يونانية تناظر بزهوها العلمي المدارس الأثينية، بل وتتفوق عليها؛ لما احتوت عليه من تراث يوناني،


١ يراجع تاريخ الإمبراطورية الرومانية الاجتماعي والاقتصادي "١: ١٦"م ستوفتزف. ترجمة ومراجعة: زكي علي، محمد سليم سالم. مكتبة النهضة العربية.

<<  <   >  >>