للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصبحت موئلا للعلماء والمفكرين الذين وقع عليهم الاضطهاد، ولا سيما بعد ما أغلقت أثينا فانتقلت إلى الإسكندرية بتراثها وفلاسفتها، مع اهتمام حكماء مصر بها أيضًا، فانتقلوا من معابدهم إليها لما لقيته من حفاوة وتقدير، استطاعت بهما أن تكون وريثة عين شمس ووريثة أثينا الحضاري بين الحضارتين: الإغريقية والسامية الذي بدأه الإسكندر المقدوني بفتوحاته، عن نشوء حضارة جديدة تعرف بالحضارة الهلينستية تقابلها الحضارة الهلينية والإغريقية الخالصة، وأصبحت الهلينستية الحضارة التي تميزت بها بلدان الشرق الأدنى في القرون الثلاثة التي سبقت المسيحية وبعدها، ومن هنا جمعت بين خصائص الثقافة الشرقية، وخصائص الثقافة الإغريقية، وأصبح من الصعب أن يحتفظ الفكر اليوناني بخصائصه، أو أصالته، كذلك أصبح الفكر الشرقي يميل إلى الاندماج في الطابع الهليني، والهليني في الشرقي، وبذلك أصبح فكرها عالميًّا، ومع ذلك فالمحيط اليوناني في الإسكندري فقد الأصالة التي كان يتميز بها الفكر الأثيني، واتخذ طابعًا عالميًّا وظهر فيه ميل ظاهر نحو الفكر الشرقي، وعلى الرغم مما كانت تدعيه الثقافة اليونانية القديمة من الأصالة لم تكن خالية تمامًا من المؤثرات الشرقية، ويمكن أن نرجع الكثير من مظاهر الحياة والفكر اليونانيين إلى أصول مصرية وبابلية، هذا وينبغي أن نلاحظ أنه: على الرغم من أن الإسكندرية كانت ذات أثر بارز جدًّا في تحول الفكر اليوناني في العصر المتأخر، لم يكن مثل هذا التحول وقفا عليها، ولم يكن محليا، بل لم يكن قوميًّا أيضًا، وإنما كان تحولًا عالميًّا.

وقال أوليري: إن الحياة اليونانية العالمية الجديدة التي ازدهرت بعد عهد الإسكندر كانت جوانب متعددة أنتجت نوعًا من الأدب خاصًّا بها، وأخرجت نقدا أدبيا، وسارت قدما بالفلسفة منتهجة في أكثر الأحيان سبلا جديدة، كما أنتجت بحوثا جديدة في الطب، والفلك، والرياضيات والفروع الأخرى من العلم، فكل هذه متداخل بعضها في بعض؛ لأنها كلها ذات منزع متماثل، وكلها تتحول تحولًا طبيعيًّا من ثقافة اليونان القديمة.

وفي النهاية يكفي القول: أنها ألفت بين التراثين، وأصبح ما يعرف في تاريخ الفكر الفلسفي: بالهلينستية يرجع إلى نشاطها العلمي تاريخا واصطلاحا.

<<  <   >  >>