أخذ يؤكد اتجاه الفلسفة اللاهوتي وحملها على تأكيد قضايا الدين الذي كان يعتنقه وهو الدين اليهودي١.
ثالثا: أبرزت ثنائية الوجود إبرازا منطقيا، وجهتها إليه الروحية الشرقية من جانب، والمادية الهلينية من جانب آخر، فعندما كانت تحاول المزاوجة بين تراث يتميز بالروحية، وتراث يتميز بالمادية صادفتها هذه الثنائية فأبرزتها.
رابعا: التأكيد على الحقيقة المطلقة التي وافقت ميلها إلى الطابع اللاهوتي، فحولت الفكر إلى تلك الغاية.
خامسا: الملاءمة بين اليهودية والفلسفة التي حمل عبئها فيلون.
سادسا: الملاءمة بين المسيحية والفلسفة وقد حمل عبئها أفلوطين ورجال الكنيسة، وكانت تلك المحاولة بدء الانشقاقات الحقيقية في المسيحية.
هذه الخصائص -وإن كانت تبين المسئولية الجديدة التي حملتها مدرسة الإسكندرية- كانت تتسم بسعة الأفق، غير أن منهجها هذا -وهو المنهج التوفيقي- شغلها بقضايا عسيرة الحل، وحقيقة الأمر: أنها شاركت وأعطت الكثير من الحلول التي تتسم بالطرافة والمتعة العقلية، غير أنها لم تكن على درجة عقلية مقبولة، لا من جهة الدين ولا من جهة الفلسفة.
وعلى الرغم من هذه المهمات نراها بدت عاجزة مقعدة عن نواحٍ أخرى: وذلك عندما صرفتها تلك القضايا عن مشاكل واقعها، وعن تحمل مسئولية وطنها، وقضايا تاريخها، وأصبحت مع هذا الازدهار التاريخي: توصم بالعزلة وهي حاضرة الفكر والثقافة.
وما انتهت مدرسة الإسكندرية إلا بعد أن خطت منهج خلط الدين بالفلسفة، أي المقدس بغيره، وكانت المسيحية باستسلامها لهذه الخطة نموذج هذا الخلط، وتقبلها الرومان على أنها أقرب الصور لوجهة نظر "أنطيوخوس" عندما أراد أن يحكم الشرق بسياسة واحدة، ودين واحد، ودين واحد؛ حيث تبنت مدرسة الإسكندرية وجهة نظره هذه
١ تدهور الإمبراطورية الرومانية وسقوطها في الفصل الثالث عشر من الأفلاطونية المحدثة وللاستزادة راجع: "الفكر العربي ومكانته في التاريخ": دالاس أولير في ترجمة تمام حسان، و"الفكر العربي": للأستاذ إسماعيل مظهر وهو يعتبر ترجمة لديلاس أوليري ترجمة فيها تصرف أدبي كذلك، "الآراء الدينية والفلسفية": لفيلون الإسكندري تأليف إميل برتبة ترجمة د. محمد يوسف، ود. عبد الحليم النجار.