للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رابعا: ألغى الخوف الذي يدفع الإنسان؛ ليتوسع في المقدسات بقوله تعالى١: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} .

بذلك رفع عن كاهل الإنسان عبء الخوف الدافع إلى الذلة؛ ليحل محلها الخشية لله فقط، فرد بذلك إلى الإنسان اعتباره.

خامسًا: يعتبر الإنسان في نظر الإسلام "خليفة الله"، وصور الرسول مهمة هذا الخليفة بقوله: "لو تعلقت همة ابن آدم بما وراء العرش لنالته"، ومعنى ذلك أن على الإنسان أن ينهض بعبء خلافته، وأن عليه في سبيل ذلك: الأخذ بمبدأ الشورى الذي قرره الإسلام، فإن سلك سبيل الإسلام ألغى الحكم الفردى من طريقه وكل تصوره عن المستبد العادل.

والله -وهو حقيقة العقيدة الإسلامية- ليس جبارًا ولا متحيزًا للمسلمين، كإله اليهود أو أي إله في أي دين؛ إنما الله في الإسلام هو من تتحدث عنه آياته في الكون حديث العقل تارة وحديث الوجدان تارة أخرى، وفي ذلك كله ما يؤكد المعرفة في النفس الإنسانية، ويعين الإنسان على تفهم وجوده في واقع الوجود.

فعقيدة المسلم قوة من الحب، وليست ضعفا من الخوف، فجعلها الإنسان حين حملها مما يتفتح بها عقله ويطمئن إليه وجدانه.

أما حين تخلى عن رسالة الإسلام -وكفاه منها انتسابه الأسمى إليها- فإنه تردى إلى طبيعة الخوف، فجبن دون مسئوليته أمام الإسلام، وانقاد مع الخرافة التي تسللت إلى مخاوف، وأعانته على توسعة معنى المقدس مرة ثانية، وتلك مرحلة يقاسيها دعاة الإصلاح.

بذلك كان الدين الإسلامي بما قدمه للعقل الإنساني -من بين سائر الأديان التي حفلت بها المنطقة العربية- هو الصورة الوحيدة في التاريخ التي تجاوبت معها الإرادة العربية.


١ من الآية ٣٧ من سورة الأحزاب.

<<  <   >  >>