للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرابع: هو بحث فلسفي ينسب إلى المؤرخ يوسفوس وفيه يجري الحديث عن الشهداء الشباب الذي يطلق عليهم خطأ اسم المكابيين السبعة الذي حكم أنطيوخوس إبيفانوس بإعدامهم لأنهم رفضوا الأكل من لحوم ذبحت للأصنام١.

وهذه الحركة الإصلاحية التي قامت ضد الهلينية ووثنيتها، كان من ىثارها عند اليهود: أن خلقت لديهم ميلا طبعيا إلى العزلة القومية منعت بها السيطرة القومية اليونانية، ومما لا يمكن إنكاره: أن سياسة العزلة المصطنعة قوت الإخلاص الديني وأوجدت سموا خلقيا يناقض الانحلال السائد في العادات الإغريقية الرومانية، والإغريقية الشرقية، وكلها أبعدت الأمم عن أي نصيب من الميراث الروحي، هذا من جانب، ومن جانب آخر: أن سياسية العزلة جعلتهم يرون:

أن الالتزام بتبشير الأميين بعقيدة موسى لا يعتبر مبدأ من مبادئ ناموسهم كما أنهم لم يميلوا إلى فرضه على أنفسهم باعتباره واجبًا يتطوعون لأدائه.

واليهودية بعزوفها عن التبشير؛ لتتفق تمامًا مع تعاليمها التي تقضي بأنها دين للعبرانيين فقطن غير أنها: راحت تبشر بنوع غريب كالسحر، وعلم التنجيم، كان لديهم كتبهم الخاصة في السحر، وتعاويذه ورقاه٢.

هذا الموقف الصارم، أو التطرف اليهودي أفسح مكانًا لوجهة نظر نقدية عامة معاصرة، تصف الدعوة بالتطرف حين قيامها فتقول٣: إن الثقافة اليهودية لا تعدو أن تكون منقولة عن الغير، وإنهم لا يشاطرون مَن حولهم أي شعور بالأُخُوَّة البشرية، بل ينطوون على أنفسهم، وإنهم في الحقيقة ملحدون؟؛ لأنهم يقولون بأن لا وجود في الحقيقة لأي إله إلا "يهوه"، وهي تهمة كانوا هم أنفسهم السبب في إثارتها، بإصرارهم على أن ما تعبده الشعوب الأخرى هو الصورة والتمثال الفعلى، وليس -كما هو الواقع- الله الذي لم يكن التمثال إلا رمزًا له٤.


١ الشرق والتراث اليوناني هامش ص٣٢ ترجمة د. عبد الرحمن بدوي.
٢ يراجع علوم اليونان ص٥٨.
٣ الحضارة الهلينية ص٢٤٨.
٤ كانت العقيدة اليهودية في القرن الأول ذات وضع عجيب: فهي من ناحية نظام يرفض تقبل الأفكار الإغريقية، في حين أنه يفتح الباب على مصراعيه لتقبل مؤثرات الشرق -كعلم التنجيم، وعلم مس الشياطين، والسحر- ذلك أنها كانت تأمل أن تحصل بفضل هذه الأمور على خدام يخدمون روحها. الحضارة الهلينية ص٢٤٩.

<<  <   >  >>